الدكتورة فتيحة الطالبي: محامية وباحثة في القانون الرياضي
أعاد الإعلان عن تعاقد نادي الوداد الرياضي مع الدولي المغربي حكيم زياش خارج فترات التسجيل الرسمية، النقاش إلى الواجهة حول حدود الشرعية القانونية لهذه الخطوة، ومدى انسجامها مع النصوص الوطنية والدولية التي تنظم انتقالات اللاعبين.
ولأن الرياضة اليوم لم تعد مجرد ممارسة ميدانية، بل أصبحت فضاء تحكمه قواعد قانونية صارمة، فإن معالجة هذا الجدل لا يمكن أن تكون إلا من خلال قراءة قانونية دقيقة لنصوص الفيفا والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.
أولاً: تأطير قانوني للقاعدة والاستثناء
تؤكد المادة 6 من لائحة أوضاع وانتقالات اللاعبين الصادرة عن الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) أن الأصل هو منع تسجيل أي لاعب خارج فترتين سنويتين محددتين مسبقا.
لكن الفيفا، وعيا منها بتعقيدات العلاقة التعاقدية في المجال الرياضي، أقرت استثناءات محددة بدقة في الفقرة الثالثة من نفس المادة، أهمها:
* حالة اللاعب الذي انتهى عقده أو تم فسخه بالتراضي قبل نهاية فترة التسجيل.
* حالة الفسخ المشروع للعقد من طرف اللاعب أو الفسخ غير المشروع من طرف النادي.
* حالات خاصة باللاعبات أو الأزمات الاستثنائية كجائحة كوفيد 19، أو لوائح كأس العالم للأندية.
ثانياً: الإشكال القانوني في وضعية زياش
انصب الجدل في الحالة الحالية على ما إذا كان يمكن اعتبار حكيم زياش لاعبا حرا عند توقيعه لنادي الوداد، بعد إنهاء عقده مع نادي الدحيل القطري قبل بداية فترة التسجيل الصيفية.
فريق من المحللين اعتبر أن وضعيته كـ“لاعب حر” تتيح له التسجيل استنادا إلى روح المادة 6، التي تهدف إلى حماية اللاعبين من البطالة التعاقدية. في المقابل، ذهب آخرون إلى التفسير الحرفي للنص، معتبرين أن الفقرة الثالثة تتحدث صراحة عن انتهاء العقد “قبل نهاية فترة التسجيل الرسمية”، وليس قبل بدايتها، وبالتالي فإن حالة زياش تبقى خارج دائرة الاستثناء.
️ثالثاً: القراءة القانونية والتفسير المنطقي للنص
من وجهة نظر قانونية، فإن التفسير السليم لا يقف عند ظاهر النص، بل يتعمق في غايته التشريعية. فالفيفا من خلال المادة 6 لم تكن تهدف إلى إغلاق الباب في وجه اللاعبين الأحرار، بل إلى ضمان توازن السوق واحترام فترات التسجيل دون الإضرار بحق اللاعب في العمل.
وقد كرست محكمة التحكيم الرياضي (TAS) هذا التوجه في عدة قرارات، أبرزها قضية نادي فاسلوي الروماني سنة 2011، التي أقرت مبدأ مشروعية تسجيل اللاعب خارج الفترات الرسمية متى كان في وضعية “حرة” قبل نهاية السوق، معتبرة أن الهدف هو منع الضرر وليس معاقبة اللاعب على التوقيت.
رابعاً: مقارنات واقعية بين الوطنية والدولية
هذه الإشكالية ليست جديدة على الساحة الكروية. فقد شهدت أوروبا حالات مشابهة، مثل:
* إريك ماكسيم تشوبو موتينغ الذي التحق ببايرن ميونيخ في ظروف انتقال حر بعد نهاية عقده مع باريس سان جيرمان.
* سيرجيو راموس عند انتقاله من ريال مدريد إلى باريس سان جيرمان كلاعب حر بعد انتهاء عقده.
وعلى المستوى الوطني، عرفنا انتقالات مشابهة للاعبين مغاربة مثل بدر بانون ووليد الكرتي بعد انتهاء عقودهم، وتم تسجيلهم دون أي تعارض قانوني.
كل هذه السوابق تؤكد أن المنطق القانوني الرياضي يتجاوز التفسير الضيق للنصوص متى تعلق الأمر بحق اللاعب في ممارسة نشاطه المهني.
خامساً: الرقابة التقنية وضمان المشروعية
من الناحية الإجرائية، تمر عملية التسجيل حصرياً عبر المنصة الإلكترونية الدولية TMS التابعة للفيفا، والتي تتحقق بشكل أوتوماتيكي من صحة التواريخ والعقود قبل المصادقة من طرف الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.
هذا النظام الإلكتروني الصارم يجعل من المستحيل عمليا تمرير تسجيل غير مطابق للوائح، مما يعزز من الشفافية القانونية وحماية الأندية واللاعبين في آن واحد.
لكل ما سبق و استنادا إلى النصوص المنظمة، واجتهادات محكمة التحكيم الرياضي، وآليات المراقبة التقنية عبر نظام TMS، فإن تسجيل حكيم زياش بنادي الوداد الرياضي خارج فترات التسجيل الرسمية ينسجم مع روح التشريع الرياضي طالما أن اللاعب كان في وضعية حرة قانوناً.
إن جوهر المادة 6 من لوائح الفيفا هو حماية الاستقرار المهني للاعبين، وليس التضييق عليهم، مما يجعل هذا الانتقال قانونياً من حيث المبدأ ومشروعا من حيث الغاية.
وفي النهاية، تبقى مثل هذه الحالات فرصة لإعادة النقاش حول ضرورة تحديث اللوائح الوطنية بما ينسجم مع التطور الواقعي للسوق الرياضي الدولي، وتكريس مقاربة قانونية مرنة تحمي في آن واحد مصالح الأندية واللاعبين، وتضمن تنافسية الكرة المغربية على الصعيد العالمي
