أشرف جلالة الملك محمد السادس، أمس الأربعاء 24 شتنبر، بعمالة مقاطعة الحي الحسني في الدار البيضاء، على إطلاق سلسلة من المشاريع السككية الكبرى، التي تشكل تحوّلًا نوعيًا في مجال النقل الحضري والجهوي بالمغرب. وتأتي هذه الخطوة ضمن رؤية ملكية شاملة تهدف إلى تطوير البنية التحتية السككية، وتعزيز التنقل المستدام، وتهيئة المملكة لاستحقاقات كبرى، أبرزها احتضان جزء من نهائيات كأس العالم 2030.
وقد رُصد لهذه المشاريع الاستثمارية غلاف مالي ضخم يُقدر بـ20 مليار درهم، ضمن برنامج استراتيجي أشمل تبلغ قيمته الإجمالية 96 مليار درهم. ويهدف هذا البرنامج، الذي يشمل عدة جهات ومدن، إلى تحسين الربط بين مختلف المناطق، ومواكبة النمو المتسارع في الطلب على وسائل النقل الحديثة، إلى جانب تحفيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتطوير منظومة وطنية للنقل منخفض الكربون.
حيث تم إطلاق إنجاز محطة “الدار البيضاء – الجنوب”، باعتبارها إحدى المحطات السككية الجديدة من الجيل المتطور، والتي ستستوعب 12 مليون مسافر سنويًا. وستكون هذه المحطة نقطة تقاطع حيوية لعدة أنماط نقل، من قطارات فائقة السرعة “البراق”، وقطارات القرب، و”آيرو-إكسبريس” الموجه لربط المدينة بمطار محمد الخامس، مرورًا بالترامواي والحافلات وسيارات الأجرة. ويُنتظر أن تُشكل هذه المحطة قطبًا متكاملاً للحركة والتنقل، ومركزًا ديناميًا جديدًا للأعمال والاستثمار في العاصمة الاقتصادية.
وبجانب هذه المحطة، يشمل المشروع بناء محطتين إضافيتين من الجيل الجديد: الأولى بمحاذاة الملعب الكبير “الحسن الثاني” ببنسليمان، والثانية بمطار محمد الخامس الدولي، وذلك لاستيعاب التدفق المتزايد للمسافرين خلال السنوات المقبلة، خاصة في أفق احتضان المملكة لأحداث دولية كبرى. كما سيتم إنشاء عشر محطات جديدة لقطارات القرب الحضرية، وتحديث خمس محطات قائمة لتتكيف مع المعايير الحديثة من حيث الراحة، والولوج، والسلامة.
البرنامج السككي الجديد لا يقتصر على البنية التحتية فقط، بل يمتد إلى الجانب الصناعي والتكنولوجي، حيث سيتم اقتناء 48 قطارًا جديدًا بسرعة تصل إلى 160 كلم/ساعة، وبطاقة استيعابية تفوق 1000 راكب، وهو ما من شأنه أن يُحدث نقلة نوعية في جودة الخدمات المقدمة. وقد تم اختيار الشركة الكورية “هيونداي روتيم” كمصنّع رئيسي لهذه القطارات، مع التزامها بإنشاء مصنع على التراب الوطني، ما يُعتبر خطوة استراتيجية نحو تطوير منظومة صناعية سككية مغربية وتوطين التكنولوجيا المتقدمة.
ويعكس هذا المشروع الطموح الإرادة الملكية القوية في جعل المغرب مركزًا إقليميًا للنقل الحديث والمستدام، وسعيًا متواصلاً نحو تحسين جودة حياة المواطنين، وخلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة، إضافة إلى المساهمة الفعلية في تقليص الانبعاثات وتخفيف الضغط على حركة السير داخل المدن.
