عادت ظاهرة غياب النواب البرلمانيين لتُلقي بظلالها مجدداً على المؤسسة التشريعية، وذلك خلال الجلسة الختامية لدورة أبريل، التي انعقدت أمس الثلاثاء 22 يوليوز، والمخصصة للمصادقة على مشروع قانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 الخاص بالمسطرة الجنائية، والذي أُحيل من مجلس المستشارين في قراءة ثانية.
ورغم أهمية النص المطروح، لم يتجاوز عدد النواب الحاضرين 131 من أصل 395، ما أثار موجة من الانتقادات داخل القبة البرلمانية، وأعاد الجدل حول استمرار ظاهرة الغياب غير المبرر. حيث لم يُخفِ رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي استياءه من هذا الحضور المتواضع، واصفاً الوضع بـ”غير المقبول”، قائلا: “الغالب الله”. وأشار إلى أن فرض الانضباط داخل المجلس لن يتحقق ما لم يتحمل رؤساء الفرق البرلمانية مسؤولياتهم في حثّ الأعضاء على الالتزام بالحضور.
النقاش احتدم عندما تساءل إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي، عن سبب التخلي عن إجراء تلاوة أسماء النواب المتغيبين، الذي كان قد طُبّق سابقاً كوسيلة للرقابة العلنية على الانضباط البرلماني. وفي رده، اقترح رئيس المجلس أن يقوم كل رئيس فريق بتلاوة أسماء المتغيبين من فرقته، مشيراً إلى أن الغياب المتكرر لم يعد مجرد مسألة تقنية، بل أصبح يُقلق كافة مكونات المجلس.
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن تلاوة أسماء المتغيبين إجراء منصوص عليه في المادة 395 من النظام الداخلي الجديد لمجلس النواب، والتي تنص على أن “أعضاء المجلس ملزمون بحضور اجتماعات اللجان والجلسات العامة”، وأن “لا يجوز لأي عضو التغيب عن هذه الاجتماعات والجلسات إلا بعذر مقبول طبقا لمقتضيات المادتين 137 و166”.
ووفق المقتضى نفسه، “إذا ثبت تغيب عضو عن جلسة عامة بدون عذر مقبول، يوجه إليه الرئيس تنبيها كتابياً، وإذا تكرر الغياب مرة ثانية خلال نفس الدورة، تُتلى أسماؤهم في افتتاح الجلسة العامة الموالية”. كما تنص المادة نفسها على أنه “في حال تكرار الغياب ثلاث مرات أو أكثر بدون عذر خلال الدورة نفسها، يُقتطع من التعويض الشهري للنائب مبلغ مالي يعادل عدد أيام الغياب، وتُنشر هذه الإجراءات في الجريدة الرسمية للبرلمان والموقع الإلكتروني للمجلس”.
ورغم شروع المجلس، منذ بداية دورة أبريل، في استخدام نظام المراقبة عبر كاميرات ذكية بتقنية التعرف على الوجوه لرصد الحضور بدقة، إلا أن هذه الخطوة لم تُسهم بشكل فعلي في تقليص نسبة الغياب، مما يطرح علامات استفهام حول فاعلية الوسائل التقنية في غياب تفعيل صارم للمقتضيات القانونية والتنظيمية.
أمام هذا الوضع، تُطرح تساؤلات حقيقية حول مدى الالتزام المؤسسي بتكريس ثقافة الحضور وربط المسؤولية بالمحاسبة، في وقت تتزايد فيه مطالب الشارع المغربي بتجويد الأداء السياسي، وتعزيز تمثيلية حقيقية داخل البرلمان.