طنجة، المدينة التي تتنفس التاريخ وتطل على المستقبل، تجد نفسها اليوم في مفترق طرق حضري. فبين فوضى الأمس التي ترسخت في الأرصفة المحتلة والمظاهر العشوائية التي شوّهت وجه المدينة، وبين الطموح إلى بناء نموذج حضري عصري ومنظم، تتحرك السلطات المحلية بخطى جريئة لتحرير الملك العمومي واستعادة الفضاءات التي صودرت من المارة لعقود.
حيث تشهد مدينة طنجة حالياً واحدة من أوسع الحملات التي تُشن لتحرير الملك العمومي، وهو تحرك ضروري وحتمي في ظل الفوضى التي تعيشها شوارع وأرصفة المدينة بسبب التعديات العشوائية من طرف بعض التجار. هذه الظاهرة التي طالت مختلف الأحياء، باتت تشوّه المنظر العام وتعطّل حركة المارة، وتؤثر سلباً على جمالية الفضاءات الحضرية التي يجب أن تكون مفتوحة للجميع.
التعليمات الصارمة التي أصدرها والي الجهة، يونس التازي، إلى رجال السلطة المحلية، تُعد خطوة إيجابية يُحسب لها الفضل في فرض النظام واحترام القوانين، لكن نجاح هذه الحملة لا يتحقق إلا بمتابعة صارمة والتزام دائم من الجميع. هدم المظلات والسياجات غير المرخصة ليس فقط إجراءً قانونياً، بل هو استعادة للحقوق العامة وتأكيد على أن الفضاءات العمومية ليست ملكاً لأحد على حساب الآخرين.
وتزداد أهمية هذه الحملة في هذا التوقيت بالذات، إذ تستعد طنجة لاحتضان عدد من الفعاليات الرياضية الكبرى، سواء على الصعيد الوطني أو الدولي، وهو ما يتطلب تقديم صورة حضرية تليق بمكانة المدينة. فالتحضير لهذه المناسبات لا يقتصر على الجوانب اللوجستيكية والبنية التحتية، بل يمتد ليشمل تنظيم المجال العام وضمان نظافته وسلامته، باعتباره واجهة المدينة أمام الزوار والوفود. ولا شك أن تحرير الأرصفة والفضاءات العمومية من الفوضى سيسهم في تعزيز صورة طنجة كمدينة قادرة على احتضان تظاهرات رياضية بمعايير دولية.
هذا المسعى لا يقتصر فقط على استعادة النظام، بل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتجهيز المدينة لاستقبال فعاليات رياضية كبرى، ما يفرض ضرورة تقديم صورة حضرية متجددة ونظيفة تليق بمكانة طنجة كمركز رياضي وثقافي بارز. إن نجاح هذه الحملات هو مؤشر حقيقي على مدى قدرة المدينة على تنظيم نفسها ومواجهة تحديات الفوضى التي تهدد مستقبلها.
امتداد الحملة إلى مناطق ذات كثافة سكانية وتجارية عالية مثل “حومة الشوك”، “الدرادب”، “بني مكادة”، “بوخالف” وغيرها من الأحياء المكتظة يؤكد بوضوح أن ظاهرة احتلال الملك العمومي والتعدي على الأرصفة ليست مشكلة محلية أو عابرة، بل هي ظاهرة عامة ومتجذرة في نسيج المدينة. هذه الظاهرة تتطلب بالتالي حلولاً شاملة ومتكاملة، لا تقتصر على الحملات الأمنية فقط، بل تمتد لتشمل تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، من سلطات محلية ومجتمع مدني وسكان، لضمان تنظيم مستدام وتحسين جودة الحياة في الأحياء،
حيث إن سكان هذه الأحياء الذين يعانون يوميًا من هذه التعديات المستمرة يستحقون بلا شك أن يستعيدوا حياتهم الطبيعية، وأن يعود السير والجولان في شوارعهم إلى ما كان عليه قبل أن تتحول الأرصفة إلى أماكن لعرض البضائع أو تمديد مظلات غير مرخصة تعيق الحركة وتعيق الوصول إلى المنازل والمحلات التجارية. فاحتلال الملك العمومي لا يقتصر على إحداث فوضى بصرية فحسب، بل يمتد تأثيره ليشمل تعقيد التنقل، خصوصًا لذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، ويزيد من حدة التوتر الاجتماعي ويؤثر على الحركة الاقتصادية داخل الأحياء.
وتجدر الإشارة إلى أن تحرير الملك العمومي هو مسؤولية مشتركة، تتطلب من الجميع وعيًا والتزامًا للحفاظ على حقوق جميع المواطنين، والتمسك بالهوية الحضارية التي تميز طنجة وتجعلها مدينة يُحتذى بها في التنظيم والنظافة والجمالية.