EN FR
القائمة

بعد شهرين من كارثة الزلزال.. تدبير الأزمة، وكالة التنمية والدروس المستقاة

Author Avatar

maroc7

الثلاثاء 14 نوفمبر 2023 - 22:39

أحمد الفجراني: باحث في الجغرافيا وإعداد التراب والتعمير

حوار أحمد فرحي: باحث في الجيوماتيك والجغرافيا التطبيقية

 

  • انطلقت إذن عملية الإحصاء والمعاينات في أفق عملية إعادة البناء. ما الخطوات ذات الأولوية التي يمكن العمل بها؟

أولا، يجب الانصات والاستماع للأهالي، وهو ما يصطلح عليه في إعداد البرامج بالمشاركة، أي أن نبني برنامجا على أساس انتظارات ومتطلبات وآراء السكان المعنيين. وعليه، فإن نداءات أو أراء أو أصوات تنادي بتجميع السكان في قرى نموذجية أو حتى خارج مناطق سكناهم الاصلية، هي بمثابة دعوات نشاز وخارج السياق،لأنها قاصرة عن الوعي بتاريخ المنطقة وسوسيولوجيتها وجغرافيتها. وبالتالي فإن التنظير الذي يقوم به البعض من داخل المكاتب المكيفة وبعيدا عن الميدان، يبقى أقربللمزايدات أكثر منه تعبيرا عن إلمام بالحاجيات الحقيقية والطرح الواقعي لمواجهة الازمة.

إن أي تدخل في هذا الباب، يجب أن يكون مبنيا على برنامج واضح ومحدد الأهداف، ويرسم طرق تحقيق هذه الأخيرة والوصول اليها. وأن يقوم على نتائج التقييم الاولي، ثم القيام بتقييمات مرحلية للوقوف على الاكراهات والعقبات التي قد تسبب تعثر المسارات على تنوعها. هو إذن برنامج ينطلق من الساكنة، وحتى إن كانت في حاجة الى التأطير أحيانا، فيمكن التشاور معها وتوضيح الرؤى لها.

بعد إعداده ينبغي الرجوع مجددا اليها، أي الساكنة، وتقديمه في شكلاقتراح، مع التسطير على هذه الكلمة بخطين واضحين، لتبدي نظرها فيه قبولا أو حتى تعديلا عند الحاجة. طبعا، لا يمكن ان نتوقع إجماعا كاملا حول أي مسألة مهما كانت هينة، ولكن يجب الاخذ بالمصلحة العامة للمعنيين في الأخير وتجاوز الممارسات ذات الطبع الشخصي أو الاناني أو حتى الحزبي الضيق. فالمشروع إذن أعمق بكثير من هذه الاصطفافات.

إن هذه المشاركة، يجب أن تمتح كثيرا من الجوانب التاريخية،حيث نجدها وإن بشكل مغاير،متجذرة في مثل المجتمعات الأطلسية. لأن العمل الجماعي والتوافقي هو ميزة حاضرة في هذه المجتمعات. وهو تقليد لا طالما سيرت ودبرت به المشاكل والاكراهات عبر طرق جامعة وجمعية، جعلته مستقلا في قراراته لقرون طويلة وممتدة. معتمدا في ذلك على مايجمع ويواجه المجتمعات المحلية من أحداث وحوادث وتحديات،وأيضا تمت ممارسته على الدوام في تدبير الشأن المحلي واليومي للساكنة.

وماذا عن الجانب التقني للعملية؟

فيما يخص المسألة التقنية لإعادة البناء أو إعادة الإسكان، لا بد من استحضار شيء مهم، يتمثل في كون “الإطار المبني” أضحى في هذه المناطق رأسمالا ماديا وثقافيا حقيقيا،تم استثماره في خلق أنشطة جديدة وضخ مداخيل مهمة، خاصة لما تكون هذه الدواوير عنصرا من عناصر المسارات السياحية التي تم خلقها في الآونة الأخيرة بالطلس الكبير. وبالتالي، فعلى التقني أن يراعي هذه المسألة في منظوره للبناء. وفي الأساس لن يحصر النقاش إذن في استعمال المواد المحلية أو إدماجها في تقنيات مكافحة للزلازل أو حتى إعادة استعمال مخلفات الدمار في البناء،أوهذا وذاك من عدمه. ولكن وأساسا اعتماد إبداع وتجديد فعلي في التعامل مع الاكراهات التي يفرضها الزلزال، كما تفرضها عوامل أخرى قد تكون مخاطرها محدقة بسلامة الانسان والمنشآت البشرية الأخرى.

وهنا أستذكر مسألة رئيسية أخرى يجب أن تنال الاهتمام الأبرز في هذا الجانب نفسه، ألا وهي الشكل أو الصورة النهائية لما يمكن أن يكون عليه الجانب العمراني للدوار الجديد أو المعاد بناؤه. ذلك أن مقاربة المشهد، ومصطلح المشهد هنا في بعديه الطبيعي والعمراني، يبقى أساسيا في نمط تطور هذا التجمع. وبالتالي، أهمية تصور مشهد مستجد وليس جديدا، أهم عناصره هي المزج بين المشهد الأصلي والتصور الإضافي الجديد، ما سيكون له الأثر في استمرار جاذبية المنطقة، بل وفي تطويرها بالشكل المطلوب والموفق الذي يساهم في هويتها الخاصة دون مسخها. على أن كرامة الانسان أو القاطن تبقى هي الأصل ومحور الرحى، وهي ما يذكي توطيد مواطنة الساكن واعتزازه بالانتماء الى الوطن الكبير بصفة عامة، وإلى موطنه محليا بصفة خاصة. وهذا هو التنوع المغربي الذي نصبو اليه والمتمثل في الغنى المادي واللامادي، وهو أيضا ما يصقل شخصية المغربي كيفما كان أصله ومحله.

الحاجة الآن ملحة الى السكن والاحساس عبره بالاطمئنان وعدم التهميش. وبالموازاة مع ذلك، وبالسرعة المطلوبة، العمل على بناء المرافق الجماعية ومرافق القرب خاصة مرافق التعليم والصحة والمرافق الدينية، وأيضا مرافق القرب الخاصة بالشباب. الشرط أن تكون عملية البناء بمنظور جديد متصالح مع البيئة العامة المحيطة به، ويقطع مع بعض الطرق والكيفيات التي تم العمل بها في بناء المرافق السوسيوجماعية حتى الآن. فالملاحظ أن للشكل المعماري للمرفق العمومي أثر كبير في كيفية بناء الناس لسكناهم. من جهة أخرى، فالانفتاح والاندماج في الحياة العصرية خلق حاجيات جديدة من حيث المرافق. منها ما ساهمت به برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومنها ما يفرضه الواقع. كمثال على ذلك، عندما كان المغاربة يتابعون المنتخب الوطني في كاس العالم، كان الحاجة ملحة الى ملاعب للقرب ترابية أو عشبية، صغيرة كانت أو كبيرة في مثل هذه الدواوير التي تعج بالفئات الشابة، والتي بفضل وسائل الاعلام الحديثة والقديمة على السواء أضحت حاجتها أكثر إلحاحا وتنوعا من حيث الترفيه والرياضة.فمهما كان الدوار معلقا في أعالي الجبل أو فوق الصخور، فالمشترك بين الشباب يتجاوز اقتراحات فئة الكهول بمسافات أحيانا.

هناك شروط إذن يجب الالتزام واحترامها؟

قبل ذلك، لا بد من الإشارة الى أنه قد نتوقع حدوث الفيضان بالعودة الى الحالة الجوية العامة والرصد الجوي وتحديد نطاق التساقطات وحتى كميتها وأحيان حدتها ووقعها على الجريان والسيل وذلك في الوقت والمكان. لكن بالنسبة لحادث كالزلزال لا يمكن توقع زمنه وحدته، ولو أننا نعرف ونتتبع بالضبط النطاقات النشطة حركيا، لكن لا ضمان لاتقاء آثاره والسلامة منه سوى باعتماد مبادئ وتقنيات عامة لمكافحة أثاره، وهذا ما يقلل من تبعاته وانعكاساته على أمن البشر وسلامة الطبيعة إجمالا. وعموما، فاعتماد تقنيات بناء مضاد للزلزال ينفع كثيرا الى حدود أعلى درجات الزلزال القوي، أما بالنسبة للزلزال المدمر أو الزلزال العظيم، فلا ضمان سوى مشيئة الله وقدره.

اليوم وباحترام القواعد التي دأبت عليها الساكنة حتى الآن، عند إعادة البناء، يجب أولا، احترام “وظيفة وشكل السكن” أو مايصطلح عليه ب”نمط العيش”. وهذا يدمج في مقدمة ما يجب العمل عليه. فالتقسيم الداخلي للبيت يدخل في عادات وتقاليد يحرص السكان على عدم إغفالها، بل وقد يكون الأمر مرتبطا حتى بالتقسيم الاجتماعي للعمل. ثم إن هناك مجالات خاصة ومجالات مشتركة،وهناك مايرتبط بالحميمية والحشمة، وما يرتبط بالانفتاح على الآخر وعلى المجال الخارجي…. وعموما هناك رموز شتى، وجب أن تقيد التصور النهائي لمن يضع أو يخطط للبيت الجديد.

فضلا عن ذلك، هناك اتصال مباشر للبيت بإعدادات أخرى كالأمكنة الخاصة بالماشية أو “الزريبة”، وكيف نجعلها متوافقة او متكيفة مع أوضاع إعادة البناء. حيث أن البناء الذي يجمع بين الانسان والحيوان، والذي ربما يرجع الى عهود السيبة، لم يعد يستجيب لمتطلبات النظافة والصحة، وبالتالي وجب الى حد ما عزل هذا عن ذاك على أن يبقى مرتبطا به عضويا.

أيضا على مستوى انفتاح البيت على الخارج أو المشهد المحيط به وعلى باقي الدوار: حيث نجد غالبا في الطابق العلوي عنصر “أسقيف” الذي من خلاله يستطيع القاطن مراقبة الوادي والمجال المزروع أو المغروس، كما يمكن أن يعتبر آلية للتكييف والتكيف مع الظروف الجوية وحالات الإضاءة وغيرها، سواء صيفا أو شتاء.

ثم إن هناك غرفا خاصة ك”الهري” الخاص بالعلف او “أكران” الخاص بخزن المواد الغذائيةأو حتى غرفة “قدور الزيت” التي غالبا ما تكون ضعيفة الانارة أو محصورة في إحدى زوايا البيت ذات خصائص معينة. الأمر نفسه بالنسبة ل”أغكمي” وأهميته في الحياة اليومية والاجتماعية سواء بالنسبة للمرأةأو الرجل أو لكليهما أو حتى بالنسبة للزوار.

وبناء على ما اشير اليه، فإن اقتراحات تحدد مساحة البيت في 60 مترا مربعا أو أقل، سوف لن تحل أبدا الحاجة الفعليةلوظائف البيت الجبلي، حتى لو أخذنا جانب التكلفة. بل على العكس من ذلك، تفتح الباب لاستكمال تلك المكونات بطرق سهلة وغير دقيقة أو عشوائية قد تساهم في رفع درجة المخاطر. وهو الامر الذي ينتج مجالات غير متجانسة أو متدهورة على مستوى المشهد العمراني، قد ترجع بنا الى حيث بدأنا وحيث القدرة على الصمود تكون ضعيفة او في أحسن الحالات نتاج إطار مبني ضعيف التوازن.

ولأننا أيضا بصدد إعادة بناء تجمعات صغيرة أو متوسطة أو كبيرة، فإن الاثار البيئية وجب استحضارها. فالمعروف أن جل الدواوير مبنية فوق سفوح الاودية حيث الميل في اتجاه سليل الوادي. فمن غير المسؤول أن نصرف المياه العدمة مهما كانت كميتها في المجاري المائية، التي نفسها تغذي الموارد المائية والعيون وبحيرات السدود. ثم إن وسطا نظيفا لا يمكن إلا أن يساهم في الرفع من قدرة جذب وحماية الموقع الموجود فيه وخلق نطاقات ذات أهمية سياحية وإيكولوجية تغني المشهد الطبيعي والجغرافي اللذين يعتبران كنزانمن كنوز جبال الاطلس الكبير.

وفي هذا الباب، أي ما يتعلق بالتخلص من المياه العدمة، يجب التفريق بين التطهير السائل الكبير والتطهير السائل الصغير. فبالنسبة للثاني وهو ما يتناسب مع الدواوير الصغرى والمتوسطة دون المراكز الحضرية، هناك تجارب عدة منها ما احتضنته بعض التجمعات القروية بإقليم الحوز نفسه في شكل مشاريع مجهرية للتطهير السائل وكمحطات تصفية صغيرة. وهي تجارب يمكن البناء عليها. فضلا عن أنه على المستوى التكنولوجي توجد عدة ابتكارات يمكن توطينها او الاستئناس بها قصد تطويرها وتكييفها محليا. والامر نفسه بالنسبة للتطهير الصلب أو النفايات، علما بان المجتمع الجبلي دأب على تحويل النفايات العضوية بالدرجة الأولى ومباشرة الى علف او للاستعمال الحقلي لإغناء التربة الزراعية. وبالتالي،فإن النفايات التي تمثل المشكلة غالبا ما تكون واردة كالحفاظات والبلاستيك عموما.

من حيث تدبير الازمة التي تبعت الزلزال، لا بد أيضا من الحديث عن إمكانيات الدولة في هذا الباب ومدى استعدادها لمواجهة نتائج مثل هذه الكوارث؟

صحيح، إن مثل هذه الازمات تبرز أهمية وقدرة البلاد على مواجهة مثل المخاطر من زلازل وفيضانات وجفاف وغيرها. هنا لابد من الإشارة أن البلاد اكتسبت تجارب مهمة، لا يمكن تجاهلها وينبغي التذكير بها. فبعد كارثة الحسيمة ومخلفات فيضانات مختلفة، تكون وعي كبير بضرورة انخراط الدولة كفاعل رئيسي في مكافحة هذه الاثار. وتوجد من الأمثلة ما لا يسع المجال للتذكير بها.

وعلى الصعيد الوطني، تم العمل على تطوير المقاربة الخاصة بمكافحة المخاطر التي تطورت نحو آليات التعافي والتدبير المندمج لمخاطر الكوارث الطبيعية، ما سمح بتعزيز معارف المختصين وقدرات البلاد في هذا الميدان. وفي هذا الإطار تأتي الاستراتيجية الوطنية لتدبير المخاطر والكوارث الطبيعية وفي مقدمة أهدافها تحسين الأطر المؤسسساتية والتمويلية للأنشطةالموجهة الى الحد منتأثير هذه المخاطر وأيضا تقوية القدرات على الصمود والتعافي.

فمن حيث التمويل، والذي غالبا ما شكل عائقا للبرمجة، تم ضمان تمويلات مهمة بتعاون مع هيئات دولية كالبنك الدولي وخاصة (BIRD

ومن الناحية التقنية، البرامج المسطرة تستفيد من المساعدة التقنية والمساهمة في تقوية القدرات من طرف البنك الدولي وأيضا من خلال التعاون الدولي مع دول صديقة اكتسبت تجارب في هذا الميدان. إضافة الى ذلك، تم إعداد صناديق مخصصة لمواجهة المخاطر: كصندوق مكافحة آثار الكوارث الطبيعية أو (FLCN).

الأمر نفسه بالنسبة لصندوق التضامن لمكافحة الكوارث الطبيعية، وهو على غير الصندوق السابق (FLCN) مخصص لدعم الأسر الفقيرة والهشة ومساعدتها على تخطي مخلفات الكوارث المتنوعة. وعلى مستوى التأمين أيضا، تم إقرار نظام للتأمين موجه للخواص.

وعلى الصعيد التقني، تم خلق الممرات الضرورية بين مجموعة من المصالح المعنية كالمصالح الداخلية والمديرية العامة للأرصاد الجوية ومديرية البحث والتخطيط المائيوكذا الأقاليم والوكالات المعنية.

في سنة 2021، أعدت الاستراتيجية الوطنية الأولى لتدبير مخاطر الكوارث الطبيعية بالمغرب للفترة العشرية 2021-2031 المعدة بمديرية تدبير المخاطر الطبيعية والتي نتج عنها برنامج عمل أولوي للفترة 2021-2023 وبرنامج عمل للإجراءات 2021-2026.

وللإشارة، فقبل إعداد الاستراتيجية الوطنية، عرف المسلسل عدة حلقات مترابطة ومتكاملة فيما بينها، مرورا بالمصادقة على مخرجاتإطار عمل سيندايأو cadre d’action de Sendai،وهو إطار عمل للحد من مخاطر الكوارث الذي اعتمده المؤتمر العالمي الثالث للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث في سينداي باليابان. وهو نهج طوعي مدته 15 عامًا يركز على الناس للحد من مخاطر الكوارث، نتج عنه إطار محدد زمنيا ما بين 2005-2015.

وقبلها الخطة التي تُعرف باسم “إطار عمل هيوغو وكوبي لمواجهة الكوارث” للفترة من عام 2005 إلى 2015، ركزت بشكل رئيسي على “التدابير التي يمكن اتخاذها لمنع الكوارث، لكنها لم تركز بشكل كاف على كيفية التنفيذ”.

على مستوى الإجراءات وطنيا، يمكن التذكير بتوجيهات الخطاب الملكي بعد زلزال الحسيمة 2004، التي تعد مرجعا لما سيليها من بعد. وعموما عرف العقد الأخير، تطوير البلاد لسياساتها في هذا الباب بإعداد استراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة وهي جزء لا يتجزأ من بين هذه المقاربات الجارية.

ما ينبغي اليوم الوقوف عليه، ولوأن الظرفية تحتم أولا العمل على تجاوز مخلفات وآثار الزلزال في هذه المرحلة، هو إعداد، في مرحلة موالية على أن تكون قريبة زمنيا، تقييم أولي شامل لهذه الاستراتيجيات وبرامج العمل حتى نتمكن من تحديد نقط القوة والقدرات المكتسبة من جهة، ومن جهة أخرى تحديد نقط الضعف والثغرات المحتملة على صعيد جميع المستويات سواء ما يتعلقبالاستعداد القبلي اومنهجية التدخل وتدبير الازمة في حينها، أو من حيث القدرة على التعافي والصمود وأيضا على مستوى تحقيق الأهداف وسير العمليات ونجاعة الإجراءات المتخذة.

بالرجوع الى الاستراتيجية الوطنية، هل يمكن التذكير بمراحلها والاهداف المسطرة التي تنشدها ؟

نعم، فقد لوحظ خلال العقود الأخيرة تطور كمي في عدد الكوارث وأيضا تزايد في أعداد ضحاياها. لهذا تبنت الاستراتيجية الوطنية في هذا الباب ثلاثة أهداف رئيسية، تتمثل في :

  • تحسين المعرفة وتقييم المخاطر
  • التحسيس بالوقاية من المخاطر من أجل تعزيز القدرة على الصمود
  • تقوية الاستعداد للوارث الطبيعية للنهوض السريع وإعادة البناء الناجعة

ومن حيث التطور الزمني، فإن جهود مكافحة الكوارث الطبيعية، بدأت منذ 2004 واستهدفت حينذاك تعزيز قدرات المؤسسات المعنية بالرصد والإنذار. وفي 2008، تأسس مركز التتبع والتنسيق بوزارة الداخلية.

في نفس الوقت، عمل على تقوية قدرات ووسائل المديرية العامة للوقاية المدنية. ثم بعد ذلك في 2009، خرج الى الوجود صندوق مكافحة آثار الكوارث الطبيعية. وفي 2014، العمل على إرساء مقاربة جديدة تقوم على الوقاية في سياسة تدبير الكوارث الطبيعية.

وفي 2015، الانخراط في توصية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية(OCDE) حول حكامة المخاطر الكبرى، وأيضا في الإطار العملي لسينداي للحد من مخاطر الكوارث 2015-2030. ثم في 2016، تحضير البرنامج الحكومي للتدبير المندمج لمخاطر الكوارث الطبيعية (PGIR). وأخيرا في 2017، إعداد الدراسة حول حكامة المخاطر بالمغرب من طرف (OCDE).

المهم من كل هذا وذاك، فضلا عن مكانيزمات وآليات مختلفة، أن تم إرساء ثقافة كاملة حول موضوع المخاطر ومكافحتها، وكذا على مستوى التخطيط والتدبير والتدخل. وهو ما يجعل المغرب مستعدا لمثل ما حصل في الحوز وتارودانت وغيرهما من الأقاليم المجاورة يوم 8 شتنبر. وبالتالي نجد المغرب قد بنى قدراته الخاصة التي تجعله قادرا على إدارة الأزمة بنفسه ودون الحاجة الى غيره. وهو امتحان حقيقي للقدرة الذاتية، رغم أن أثر الكوارث أحيانا يفوق قدرات بعض الدول مهما كانت متقدمة أو قوية. ولنا في الحرائق والفيضانات التي حدثت في دول متطورة مثالا على ذلك. حيث كانت الحاجة دائما الى تكتل المجتمع الدولي ودعمه. طبعا بعيدا عن أي تسييس لمثل الازمات.وقد أعطى المغرب مرة أخرى مثالا وتجربة خاصة حول أهمية استثمار الإمكانات الذاتية للدول.

  • ما تقييمك لعملية التدخل وتدبير الازمة الأخيرة بعد زلزال 8 شتنبر الأخير؟

نعم، التدخل العاجل والقرار السياسي الحاسم في الزمن المناسب والسريع، كانا من بين أهم المقاييس التي يمكن تقييم رد الفعل فيها بشكل إيجابي جدا. حيث ان استعادة الثقة والطمأنينة للضحايا والساكنة تأتي ضمن الأولويات.

تلى ذلك، انخراط واسع من لدن المجتمع وشعور المواطنين أن الأمر يهم الجميع وليس طرفا لوحده. وامتزاج هذه الرؤى وتكامل ردود الفعل هو ما رسخ وقوى القدرة الجماعية على تفادي الكثير من الخسائر الثانوية التي كان وقوعها ممكنا.

ثم إن تدبير الازمة، أتى مباشرة وبصورة فعلية من أعلى سلطة في البلاد. وهو ما عجل باتخاذ القرار وتوزيع المسؤوليات بشكل لم يترك هامشا للتدبير البيروقراطي. ولعل ترؤس الملك لثلاثة اجتماعات متتالية خير دليل على ذلك.

  • إذا كان هذا هو الشق المتعلق بالجانب العمومي، فماذا يمكن القول عن الجانب المدني والهبة الشعبية لتقديم المساعدة؟

لابد من التنويه بالتعبئة الوطنية الشاملة وبالتضامن التلقائي الذي عبر عنه المغاربة من مختلف الجهات والفئات الاجتماعية وحتى التي تشكو من قلة ذات اليد. وهذا التضامن هو الذي يجب على الجانب العمومي أن يستثمره ويغديه لمواجهة كل التحديات المحتملة والمتنوعة.

أما فيما يخص تسيير منظومة المساعدات والمعونات العينية، لي رأي شخصي، يحتمل الصواب والخطأ، …بدون عناد أو تعصب للفكرة… يعني (مبتسما). كان بالإمكان وقبل هذه المحنة، أن يتم تعيين مراكز محلية، تفتح عند الضرورة أو حتى في كل وقت، لاستقبال كل ما هو عيني، على أساس تسليم وصل بمثابة صك مضمون قانونيا للجهة المتبرعة يضم ما تبرعت به. وتكوين قاعدة معلومات بالمركز تساعد على عد الموجود وتدبيره بصفة موضوعية. وأثناء عملية التوزيع، تسلم المعونة بوصل كذلك، بحيث يحدد الطرف الموزع والذي غالبا ما يكون هنا إما جمعية محلية معروفة بنشاطها وعملها الميداني الدؤوب. على أن ترجع هي الأخرى إلى المركز الأول بوصل أو وثيقة تضم المعلومات كلها عن الجانب المستفيد سواء كان جماعة أو أسرة أو فردا. وتقدم الى المركز في نفس الوقت لائحة بحاجياتها لليوم الموالي، والتي يتم إعدادها عشية لتقديمها للجمعية غدا. وهو الأمر الذي يجعل من وصول المساعدات منظما وعادلا وحسب الحاجة الفعلية للأفراد والجماعات. وبالتالي ندرأ كل تبذير أو ضياع محتمل. وفي المقابل يحتفظ المركز بالمعونات الأخرى وتوزيعها حسب حاجة الجهات الأخرى إن أمكن في إطار التضامن الوطني العابر لما هو محلي أو جهوي. طبعا على أن تكون السلطة حاضرة ومراقبة ومتتبعة للعمليات، لأنها تبقى الساهر والضامن لها، رغم ما يمكن أن تنتقد عليه في هذا السياق. وعليه، وجب إيلاء دور هام أيضا للسلطة القضائية والمحاسبية.

حسب بعض الاصداء التي صاحبت العملية، بينت تجربة تقديم المساعدات خلال الزلزال الأخير بعض الانزلاقات هنا وهناك، سواء من المؤطرين للعملية وحتى من لدن المستفيدين منها أي الضحايا أنفسهم، مع وضع الحالة النفسية في الاعتبار. ولكنها تبقى انزلاقات في حكم الاستثناء وأحيانا تعزى للجهل أو كنتيجةلأحكام مسبقةعلى النوايا.

وكمثاللبعض الانزلاقات التي شابت عملية توزيع المعونات، لوحظأن بعض الأطر الترابية وأعوان السلطة، ولحسن الحظ قليلون، مازالوا يتصرفون بأساليب قديمة أو متجاوزة أحيانا، مؤكدين بذلك عدم قدرة البعض على التطور واستيعاب الأساليب الجديدة للإدارة والتسيير. هذا من جهة، ومن جهة أخرى تصرفات غير بريئة لبعض الفئات المعنية بالمساعدة. إضافة الى انعدام الثقة من لدن حاملي المساعدات اتجاه بعض أعوان السلطة وممثلي بعض الجمعيات.

لدى وجب أيضا القيام بثورة حقيقية في مسألة المصالحة بين كوادر وأعوان السلطة المحلية والمواطنين. ولا أدل على إمكانية تجاوز هذا العائق، نجاح تجربة التصالح وبناء الثقة ما بين المواطن ورجال الامن الوطني التي أطلقتها سابقا المديرية العامة للأمن الوطني، حيث وفي وقت وجيز نسبيا تم بناء هذه الثقة بين المواطن والمصالح الشرطية بفضل إرساء عقلية جديدة ومتطورة، سادت خلال العقد الأخير تدبير شؤون الامن الداخلي وعلاقة الإدارة بالمرتفقين. وهي تجربة يمكن الاقتداء بها مجددا لتوطيد الثقة بين الأطر المخزنية والمواطن العادي، بل وتطويرها الى مستوى أبعد بكثير.

وهذا الكلام لا يعني بأي حال من الأحوال التقليل أو النيل من العمل الميداني الجبار الذي قامت به فئة كبيرة من هؤلاء الرجال والاعوان الذين ثابروا وعملوا بدون أنانية أو تحيز أو مجاملة.

سؤال آخر ذو ارتباط وثيق ومباشر بعملية الإحصاء وتقييم الاثار على الأبنية والمنشآت الخاصة، حيثيجري الآن عمل ميداني في عين المكان، يشمل إحصاء المتضررين ودرجة الضرر، ماذا يمكن القول عنه؟

بغض النظر عن الجانب الإيجابي للعملية، هناك اختلاف في تجاوب المعنيين مع الاستمارة الخاصة بالمعلومات. حيث خلفت هذه الاستمارة أو الورقة التقنية نقاشات عديدة بين الفاعلين المحليين، بل وهناك من انتقد بحدة محتواها وشكل إعدادها وحتى أسئلتها أحيانا وحتى كيفية ملئها.

وهذا في رأيي يعكس مستوى آخر من النقاش. يتمثل في محاور متفرعة. أولاها مصدر القرار أي الجهة التي أعدت الاستمارة، ثانيها السرعة الخاصة بإعدادها وزمن إعدادها. ثالثا مسألة استئراضها أي جعلها نتاج مقاربة ترابية صرفة، بصيغة أخرى مدى محليتها أو مواءمتها مع طبيعة الموضوع أو الحدث. لذلك، ولأن الاستراتيجية مبنية من قبل الحدث، وموضوع مكافحة الكوارث ليس وليد اليوم ونوقش منذ أمد، بل تم المرور من تجارب ميدانية متنوعة كما سبق، فإن السؤال المطروح: هل كانت هناك استمارة معدة قبلا لمثل الحالات؟ أم أنها أعدت في وقت قياسي مباشرة بعد الكارثة؟ أيضا وعلى مستوى رابع، لوحظ أن هناك أطرافا أو مصالح عمومية تحاول أن تجد لها مكانا في معالجة مخلفات الزلزال، حيث لوحظ ما يشبه تنافس مبطن بين مصالح إدارية أو عمومية معينة، بل ومنها من يحاول الاستفراد في اتخاذ القرار. علما أن الجميع يعرف الجهة القادرة على جمع المعلومة وتدبير العمليات من البداية الى النهاية. هذا التنافس الذي يجب ان يكون في إطار التكامل لا التسابق، نتج عنه تراتبية جعلت من مصالح عمومية مجرد متتبع للعملية، فيما أخرى شكلت محور العملية وعجلتها الرئيسية.

  • ماهي التجارب والخلاصات القابلة للاستثمار واعتبارها بمثابة دروس يقتدى بها مستقبلا في مثل تدبير هذه الحوادث؟

في رأيي، قد نستطيع تلخيص الاستنتاج العام من وراء هذه الكارثة في النقط التالية:

  • اليقظة والاستعداد لمثل الكوارث وغيرها، لأن موقع البلاد ضمن منطقة مهددة على الدوام سواء جيولوجيا أو مناخيا وحتى تكنولوجيا؛
  • أهمية تنزيل الاستراتيجيات الوطنية وخاصة الجانب المتعلق منها بالوقاية وتدبير الازمات وآليات التعافي وبناء القدرة على تجاوز الآثار السلبية؛
  • أهمية الحفاظ والتشجيع على اللحمة والتضامن الوطني الكبير، الذي يجب تعزيزه وتقويته، وأيضا تنظيمه أكثر لتكون الفائدة أبرز وأعظم؛
  • على المستوى الاقتصادي والمالي، يجب على الدولة، ممثلة بالحكومة، أن تبرمج وبالسرعة المطلوبة، قدرات خاصة لتجاوز آثار الازمة على صعيد الدخل القومي وعلى صعيد تدبير ميزانية الدولة، وتوجيه الاستثمارات وغيرها. وعلى الصعيد المالي، العمل على تعزيز وتغذية الموارد المالية الموجهة لهذا الجانب وبدون تأخير أو تهاون بحجة التوازنات أو م الى ذلك؛
  • أيضا على مستوى الاستثمار، تشجيع منظومة خاصة بالصناعات المرتبطة بمواجهة آثار الكوارث. يكون لها بعد دولي وليس فقط محلي أو وطني. وذلك لتوطين صناعات كصناعة البيوت المتنقلة والجاهزة، وصناعة المستلزمات الخاصة بها، وكذلك صناعة راقية ومتطورة للخيام وأشكال الملاجئ المؤقتة وغيرها، حتى نكون قادرين على تلبية حاجياتنا وأيضا المرور الى التصدير لأن الحاجة على الصعيد الدولي مستدامة في هذا المجال.
  • السهر بالشكل المطلوب والمناسب على احترام الخصوصيات الجغرافية في إعادة البناء؛
  • على كل جهة أو إقليم، تكوين احتياطي من قبيل هذه المنتجات لتكون تلبية الحاجيات سرعة في الزمان والمكان والاستعداد على الدوام؛
  • تحضير مشروع متكامل لبناء الثقة بين الأطراف المعنية جميعها لضمان سير أنجع لعمل الشأن العام ومرونته؛
  • لا بد، في الأخير، من تجاوز إشكالات التنمية بالمناطق الجبلية بالمغرب ككل. فالتجربة أبانت أن مجرد طريق بسيطة أو مسلك من المسالك، يمكن أن يعوق أو ينجح مبادرة.

أضف تعليقك

الأحرف المتبقية - 1000/1000

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية ، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم .